التجنيد الاجباري جريمة.. أرشفة الأحلام تدميرك في خدمة الوطن

أرشفة الأحلام.

اليوم، قررت أن أرتب مكتبتي الشخصية لأول مرة بعد إنهاء خدمتي العسكرية، وشعرت بواحد من أبشع المشاعر التي شعرت بها في حياتي على الإطلاق..

وجدت مراسلات بيني وبين جامعات فرنسية كنت أنوي الدراسة فيها، وبورشو المواد التي سأدرسها بالتنسيق معهم حسب كل قسم كنت سأتخصص فيه. ووجدت أوراقًا أخرى خاصة بشروط الالتحاق بنقابة المحامين الفرنسية وبعض الخطابات التي أرسلتها لها لإلحاقي بمكتب للتدريب خلال فترة الدراسة.

منذ سنتين، كانت جامعة السوربون ستطلب مني دفع 391€ سنويًا كرسوم للدراسة فيها، وتعلمت اللغة الفرنسية ووصلت إلى مستوى B1 في فترة قصيرة، وكنت مستمرًا في التعلم بحماس، حتى حدثت أسوأ تجربة في حياتي واضطررت إلى الالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية..

خرجت من الخدمة العكسرية حطاماً أو كالحطام.. خرجت محطمًا صحيًا وجسدياً، نسيت كل ما تعلمته في الفرنسية، والأهم أنني خرجت محطمًا نفسيًا فاقدًا للهمة والشغف ومعدوم الحماس.

عاودت الإتصال بجامعة السوربون من جديد، أخبروني أنني ملزم بدفع المصاريف العادية للطلاب Non-EEA التي أصبحت 3740€، وأيضًا قبولي سيتم إعادة النظر فيه من جديد نظرًا لأن عمري أصبح أكبر ومؤهلاتي الأكاديمية مرت عليها سنوات إضافية أكثر.

على أية حال، الجيش حطمني ماديًا أيضًا، ولم أعد أملك 3000€. فشكرتهم وأخبرتهم أنني صرفت النظر أصلاً عن الدراسة في فرنسا.

أصعب إحساس يمكن أن يمر على الإنسان هو أن يصل لمرحلة في يوم من الأيام يقوم فيها بأرشفة حلم سعى لتحقيقه سنوات وحلم به منذ كان مراهقًا في الجامعة. والأسوأ أن الذي تم أرشفته اليوم وأُلقي به في أسفل رفوف المكتبة المليئة بالتراب يكون أكثر من حلم، وليس حلماً واحداً. أحلام كنت ناسياً إياها من شدة التدمير النفسي الذي تعرضت له في تجربة التجنيد الإجباري القهري.

عمومًا، أنا لست حزينًا وراضٍ الحمد لله. لم أختر أن أكون مصريًا، ولم أفتخر بذلك أبدًا، ولم أحب مصر أو أنتمي إليها لأكون حزينًا أو غير راضٍ.

في نهاية الأرشفة وعلى النقيض، تذكرت زميلي التونسي "عزيز" الذي كان معي خطوة بخطوة من أول دراسة الماجستير حتى السعي لفرنسا، لكنه لم يدخل الجيش في تونس وسافر قبل سنتين.

اتصلت به، رغم انشغاله طمأنني على أحواله الحمد لله. وهو ما شاء الله حاليًا، قال لي إنه يعمل في مكتب محاماة كبير في باريس، وأمامه سنة ليحصل على الجنسية الفرنسية، وينوي بعدها إن شاء الله أن يترك المكتب الذي يعمل فيه ويفتح مكتبًا خاصًا به بعد أن أصبح عضوًا في نقابة المحامين الفرنسية.

أسامة صهيون.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال