أنت مخك يوميًا بيتغسل حرفيًا بسبب الريلز، تعرف ده !!
عارف أن تيك توك وريلز الفيس والفيديوهات القصيرة دي دمرت لنا عقولنا؟ فيه حاجة اسمها attention span أو مدى الانتباه، معناه ببساطة أن مخك بيقدر ينتبه لحاجة في أقصى وقت قد إيه. وانت بتذاكر مثلًا أو بتتفرج على فيلم وثائقي أو بتقرأ رواية، قالك إن بسبب التيك توك وفيديوهات الـ 30 ثانية دي، مخك اتحول لحاجة اسمها Tiktok brain، ومدى الانتباه بتاعه بقى 6 ثواني بس.
طيب إزاي؟
بص يا سيدي، في الخمسينات، فيه عالم نفس أمريكي اسمه B.F. Skinner جاب مجموعة من الفئران، وعمل لهم صندوق كده اسمه "صندوق سكينر" على اسمه يعني، وحط فيه زرار. جزء من التجربة أن كل ما الفار يدوس على الزرار تنزله حباية أكل بشكل منتظم، حباية في الضغطة يعني. مع الوقت لقى الفيران دي فقدت الشغف، وبقت تدوس على الزرار كل ما تجوع وخلاص، وبتمارس حياتها بشكل طبيعي.
راح جرب حاجة تانية، وخلى بدل ما بتنزل حباية أكل مع كل ضغطة، خلى الجائزة عشوائية. يعني مرة خمس حبايات، مرة سبعة، مرة واحدة، خمس مرات ورا بعض مثلًا مفيش حاجة تنزل، وهكذا بشكل عشوائي تمامًا. فإيه اللي حصل بقى؟ لقى أن الفيران اتهوست بالزرار ده، نسوا النوم والأكل والحمام، وبايتين يدوسوا على الزرار، لدرجة أنهم أصابهم الإدمان بحثًا عن الجائزة الكبرى.
وده اللي خلى الدكتور ده يخرج بنظرية اسمها "التعزيز العشوائي"، اللي هو كل ما تدوس أكتر كل ما فرصة فوزك ممكن تكبر، وأنت وحظك.
التعزيز العشوائي ده سبب حالة من الإدمان. إزاي؟ إدمان الدوبامين أو هرمون السعادة، وده بيتفرز نتيجة حاجة اسمها "نظام المكافأة في الدماغ"، بمعنى لما تلعب وتتوقع جائزة مخك بيفرز الدوبامين ده. فلما الجوائز تكتر، جرعات الدوبامين تزيد، وبالتالي انت تحولت إلى مدمن أو عبد للحوار ده.
طبعًا اللي لقط التجربة دي شركات الألعاب اللي كل ما تعدي مرحلة تلاقي جائزة، وصالات القمار اللي بتسحب إيد فيها تنزلك فلوس، وكل الحاجات اللطيفة دي. لكن أهم شركة لقطت الفكرة دي هي "تيك توك".
تيك توك بيقدملك التعزيز العشوائي ده على شكل فيديوهات قصيرة متتابعة، والخوارزميات مبتبقاش متوقعة إيه اللي جاي لما تقلب الفيديوهات. وتنوع المحتوى بيخليك واحدة واحدة تفرز الدوبامين ده ومعاه تدمنها. وهو بيتعمد تنويع المشاعر في الفيديوهات بحيث أنك تقضي وقت أطول على التطبيق، طول ما هو بيلعب على تنوع الفيديوهات وقصر وقتها، هو كده ضمن زبون جديد هيفضل يقلب إلى ما لا نهاية.
قالك متوسط القعدة الواحدة على تيك توك أو ريلز الفيسبوك أو شورتس اليوتيوب هي 95 دقيقة في المرة. ولو حسبنا الـ 95 دقيقة دي على متوسط 30 ثانية هي طول الفيديو الواحد، هتلاقيك شفت في المرة حوالي 270 فيديو متنوعين.
الـ 270 فيديو دول عبارة عن فيديوهات عشوائية: مرة إنقاذ قطة، مرة واحدة بترقص في فرح، مرة اتنين بيعملوا مقلب في مش عارف إيه، مرة هدف حلو لليونايتد، مرة واحدة بتطبخ، مرة روسية بتعمل قهوة، وهكذا. تضارب تام للمشاعر بيحصل لك كل 30 ثانية، مرة عياط، مرة انبساط، مرة ضحك، لحد ما تلاقي أنك لا إراديًا دربت الانتباه بتاعك على الاستقرار على 6 ثواني بس.
الكلام ده بينعكس على حياتك. إزاي؟ مش ملاحظ أنك ممكن تفتح موضوع مع حد وكل شوية تغيره أو تفرع لموضوع جديد؟ طب مش ملاحظ أنك كل كام ثانية كده إيدك تجيبك تفتح الفيس تشوف بيقول إيه؟ وبعدها للواتساب، وبعدها للتيك توك، وبعدها مش عارف إيه؟
طيب لما بتخش ميتينج مش بتحس أنك زهقت من أول كام ثانية؟ طب ملخصات الأفلام مش بقت تشد أكتر من الفيلم نفسه؟ طيب مش بتلاحظ أنك بقيت تتجنب البوستات الطويلة وتقرا أول كام سطر بس؟ آخر مرة قريت كتاب كان إمتى؟ بتقلب الأغاني اللي بتسمعها قبل ما تخلص كام مرة؟ بقيت مستعجل في حياتك إزاي؟
يعني حتى في العلاقات العاطفية، كام علاقة بتنجح على المدى الطويل؟ آخرك كام يوم وبتقلب. الجوازات بتفشل، مبقاش فيه تطلعات على طول المدى، وهكذا.
كل ده بسبب التعزيز العشوائي اللي بيستخدمه التيك توك، واللي قدر أنه يقتل عندك مدى الانتباه ويجيب رجليك لإدمان التقليب في الفيديوهات، ويحول دماغك لـ Tiktok brain، واتسبب أنك يبقى عندك اضطراب انتباه واضطراب في المشاعر كمان وانت مش دريان. ولأن منصة تيك توك بتكسب، فكل السوشيال ميديا قلدتها، وبقت كل منصة عندها حتة الفيديوهات القصيرة دي.
من الآخر، صبرك قل وانتباهك هو كمان قل، وبقيت لما تشوف فيديو مدته دقيقة تحس أنك تعبان. لما بتشوف فيلم بتفضل تجرّي. قيس على كده بقى حياتك كلها اللي بقت عبارة عن "مشوار طويل مش رايح"، أو قلة اندماج مع الآخرين، وبقيت حرفيًا فاقد الشغف لكل حاجة.
فـ أه، الريلز والتيك توك وخلافه مش مجرد منصات ولا فرص للربح ولا كل الكلام ده. هما ببساطة منصات قايمة على علم النفس السلوكي، بيستغلوا مخك في زيادة مبيعاتهم، ومش فارق عندهم أنت اتحولت لإيه، وبقيت فاشل دراسيًا واجتماعيًا إزاي.
شكرًا. ❤️