شعر طويل.. ثقافة وتاريخ أعقد من مجرد ربطة شعر


دلالة الشعر الطويل لدى الرجال.. الموضوع أبسط من مجرد ربطة شعر !

الموضوع ده يكاد يكون تافهًا ومش مهم لناس كتير، لكن له بُعد نفسي ومجتمعي مهم.
عبر التاريخ ولعصور مديدة، كان شعر الرجال يدل على الفحولة والرجولة والقوة. فمثلًا، في الحضارة الإغريقية، كانت لحى الرجال وشعرهم الطويل دليلًا على قدرتهم الحربية والرجولية وتمتعهم بصفات المحارب..

فمثلًا، الشاعر الإغريقي هوميروس وصف محاربي الإغريق في الإلياذة وصفًا بليغًا، وهو أن شعرهم طويل ولحاهم طويلة وشديدي الجسارة. ومن هنا تقدر تفهم أسطورة الإغريق (سامسون)، المُحارب الجسور صاحب الشعر الطويل المُسدل واللحية، وكان شعره بيحارب معاه أعداءه.

في الثقافة الصينية -ما قبل الحداثة-، كان الشعر الطويل عند الرجال دليلًا على الحرية وعدم خضوعهم لأي سلطة، وتمتعهم بالجسارة والقوة. وعند الهنود، كان الشعر الطويل للرجال دليلًا على الفروسية والحرية التي يتمتع بها الفرد. وعند الفايكينج، كان يتم تمييز الفرد بانتمائه للقبيلة بإسدال الشعر حتى الكتف واللحية الطويلة، وللسبب ده كانت طقوس طرد الخائن أو المُخطئ من القبيلة بحلق شعره ولحيته.



واحدة من الأساليب المُتبعة في الحروب القديمة، وتحديدًا مع الأسرى، كانت طمس هوياتهم وانتماءاتهم الاجتماعية بحلق شعرهم ولحاهم وإعطائهم أرقامًا، وده كان يُعتبر من وسائل (الإذلال الاجتماعي)، أن شخصًا تلقائيًا يفقد هويته التي تميزه جسدًا ومُسمى ويُنادى برقم وسط عدد كبير من الأرقام (والممارسة دي اقتبسناها من الغرب، ولا تزال جارية في السجون الحديثة).

عند العرب والمُسلمين، فالشعر الطويل واللحية لها دلالة، مش بس على تأصل في اتباع هيئة ومظهر الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كان لها دلالة على هوية شخصية، ولها دلالات منطقية في علم (الاجتماع الثقافي)..

فمثلًا، المتمردون المُحاربون عبر التاريخ الإسلامي والعربي كانوا يهتمون بتربية شعرهم ولحاهم بكثافة، كتمييز يُميزهم عن غيرهم من العوام من جهة، ومن جهة أخرى تأكيد على عدم وقوعهم في الأسر أو الإذلال الاجتماعي من قبل عدوهم.


ولما بنتكلم عن تغيير ثقافي واجتماعي، فخلينا نقول: إيه اللي استورد فكرة انعدام الرجولة للي بيربي شعره حتى وإن ترافق معها تربية اللحية؟

الحقيقة مش محتاج تبحث كتير، يكفي أنك تشوف أن كُل المؤسسات الحديثة، بدايةً من المدرسة ووصولًا للمؤسسات العسكرية، ماشية بنفس السيستم أو الديناميكية التي تسير عليها الدولة القومية الحديثة؛ إلغاء أي هوية غير هوية (المواطنة). فمثلًا، طلاب مدرسة صغار السن لازم يتقيدوا جميعًا ويتساووا بشكل (المواطن المثالي) الذي اختارته الدولة القومية.

طبعًا، ممكن تبقى حاجة زي دي مفيدة لأنها بتقفل الباب على مظاهر وملابس وانتماءات مُخلة. لكن على الصعيد الآخر، بتربي الأطفال على الانصياع التام لشكل وقالب واحد، وده الغرض منها. فالغرض من الدولة في مسألة التحكم بالشكل ليس الخوف التلقائي من الانحلال الأخلاقي، قدر التخوف من الهويات الفرعية التي تميز المواطن.

والدليل أنها نفس المؤسسات التي بتشجع الاختلاط من الصغر للكِبر، من الحضانة للمدارس للجامعات بكل عواقبها الأخلاقية، وكأنه أمر لا يعنيها ولا يهمها.


فالجيش كذلك ورثنا تصورات المُحتل الإنجليزي، الذي ورثها من جيوش نابليون (أول جيش نظامي قومي لدولة قومية حديثة)، وهو التعامل مع الجنود على أنهم عدد وأرقام، وإلغاء أي هوية فرعية تميزهم، والتعامل مع الجيش على أنه كتل وطاقات بشرية مُجمعة وجاهزة لطاعة الآمر. وكذلك، التقيد بملابس معينة في المصارف والشركات الكبرى يقع في نفس الخانة (منع أي هويات فرعية وتشكيل وعي وذوق المجتمع).


هل ربط الشعر للرجال حرام ؟ 

ربط الشعر لدى الشباب، الكل يعتقد أن هذا حرام وتشبه بالنساء، وهذا خطأ في الأصل.

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يحله. فلما انصرف، أقبل إلى ابن عباس فقال: ما لك ورأسي؟! فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف" رواه مسلم (رقم/492).

وقال مالك: النهي مختص بمن فعل ذلك للصلاة. انتهى. يعني حرام عند الصلاة فقط.

والنبي ﷺ عمل شعره أربع ضفائر. وروى أبو داود (4191) عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وله أربع غدائر". والغدائر: الضفائر.

فربط الشعر للرجال ليس حرامًا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال