مذكرات معتقل سياسي - الجزء التاسع


مذكرات معتقل سياسي (9).

دخلت الأسبوع التالت وأنا لسة معتقل سياسي في حجز جنائي. صحيح المعاملة ممتازة سواء من الشرطة في القسم أو حتى من المساجين، بس العدد كبير جدًا لدرجة تمنعك حتى من التنفس. ومعظم اللي حواليك إما مخدر أو بيهوهو أو ينونو بعد ما يشم مواد غريبة. وتلاقي واحد واقف يضحك ويبكي: "أنا عمري 37 سنة مسجون فيهم 18 سنة، ليه كده يا رب؟ أنا عملت إيه؟"، وفجأة يضحك ويترمى على الأرض نايم يومين متواصلين!!!

المواد اللي بيشربوها عجيبة جدًا. زمان، على أيامنا، كان الحشيش والأفيون والبيرة والخمور نادرة لدواعي التقوى والإيمان باعتبار الخمور محرمة. والحشيش رغم إني جربته كذا مرة وفشلت في الاستمتاع بيه، بس اللي بيشربوه بيؤكدوا إنه بيخليك عميق التفكير ومنطقي كمان.

مرة مذيع في الجزيرة بيسأل فيلسوف كبير: "إنت صحيح حشاش؟" وطبعا الراجل أنكر تمامًا، وبيحكي لي بعدها: "كنت عايز أقوله: بقى يا ابن الوسخة، الإبداع الفكري اللي في كتبي عايز يظهر إزاي من غير حشيش؟ ده الحشيش إدمان العظماء… تشرب حشيش يا شومان؟" لأ، ماليش فيه. "طب بانجو أو بيرة أو ويسكي؟" لا يا مولانا، أنا للأسف فشلت إني استمتع بالحاجات دي. لو ممكن فودكا أو قهوة أو أفيون. كله موجود يا حبيبي، وفتح درج المكتب وطلع لي كتلة أفيون تخدر فيل. شهور وأنا مش عارف يا شومان إزاي كتبت الأديان والمحروسة من غير حشيش!!!

لكن مخدرات الأيام دي مش هدفها الاستمتاع قد ما بيحاول المتعاطي، خصوصًا المساجين، إنه يضيع وقته وهو في شبه غيبوبة هربًا من سواد الأيام والفقر والبطالة اللي بيقهروا الرجال. فيهربوا من القهر إلى الغيبوبة.

سمعت عن سجن اسمه "عشرة ونص" في طريق إسكندرية الصحراوي. الجنائيين بيدفعوا فلوس رشوة عشان يروحوه، فيه أكل سخن ومشويات وشاي في كباية. نسيت أقول إن الشاي والقهوة بتيجي في كيس بلاستيك من تحت الباب في حجز الهرم، وتشرب الشاي عن طريق الشفط أو يكون عندك كبايات بلاستيك تفضي فيها الشاي. وكذلك السجاير بتيجي فرط عشان مافيش نضارة أو شباك في الحجز. يعني إنك هتشرب شاي محترم في كباية ده حلم هيتحقق لو رحت "عشرة ونص"، والأهم إنك هاتعيش مع معتقلين سياسيين غالبًا مش هتلاقى فيهم حد بيهوهو أو ينونو.

بس قبل ما أروح، عايز أتفرج على حجز النساء. وفعلاً رحت مع ظابط محترم فتح الباب وأنا واقف وراه. لقيت المكان جميل والأرضية قطع موكيت وستاير بيضاء على الحيطان، وتحس كده بلمسة أنثوية في المكان. قربت أكثر لحد الباب، وعينك ما تشوف إلا النور. ريحة قبر ماتقدرش تستحملها ثلاث ثواني. مش عارف سببها ومش مهم، أعرف بس تلغي تمامًا حلم إنك تكون الراجل الوحيد في جزيرة نسوان. يبدو والله أعلم إن النسوان بتستحمى بس ساعة الاستعمال، على الأقل السجينات منهن. يبقى نستعمل الآية الكريمة مع الرجال... ذلك أفضل كثيرًا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال