مذكرات معتقل سياسي - الجزء الحادي عشر

مذكرات معتقل سياسي. (11)

جهِّز نفسك يا شومان، فيه ترحيلة على سجن العشرة ونص. نزلت لقيتهم مجمعين 25 جنائي، وأنا السياسي الوحيد. وحظي ييجي أتكلبش مع "بلاطة" اللي كان عايز يعمل فتوة وكسرته قبل كده. لقيته بيبص لي بشماتة. رايحين بقى سجن جديد مالكش فيه حد، ولا تقدر تقول لي: "أولع فيك يا كلب"، ولا تعمل فيها مهم. بصيت له باحتقار وقلت:

- "أنا أقدر أولع فيك في أي حتة يا كلب، ولو في بطن أمك، فاهم؟".

فورًا لمّ نفسه وقال لي برعب: "فاهم يا باشا! أنا بس بهزر معاك".

نقف هنا عند نفسية المسجون الجنائي. ده شخص اتعود على المهانة والضرب والتفتيش من أي أمين شرطة. وبالتالي، انعدمت جواه جينات الكرامة، ومستعد دايمًا ينبطح لأي شخص معاه سلطة أو نفوذ. بس على الجانب الآخر، وهو بيشتغل سواء بلطجي أو تاجر مخدرات، تلاقيه عنيف جدًا وما بيرحمش أي ضحية تقع تحت إيده.

النوعية دي كان بيتكلم عنها الدكتور إمام عبد الفتاح، الله يرحمه، وابتكر مرض نفسي بيجمع بين السادية، اللي هي التمتع بتعذيب الآخرين، وبين المازوخية، اللي هي التمتع بجلد الذات. وأسماه "السادومازوخية". يعني المريض يتلذذ بتلقي التعذيب من الأقوى، وممارسة تعذيب الأضعف !!

وصلنا العشرة ونص، ولقيتهم هناك بيحضروا لنا استقبال بيسموه "التشريفة". وده في كل سجون مصر -يمكن العالم كمان، لكن بشكل أو بآخر-. "التشريفة" دي إنك تقلع هدومك ملط، يادوب تغطي عورتك، ويكشف عليك طبيب السجن. وييجي أمين شرطة أو أكتر ينزل فيك ضرب بعصاية وبالإيد والرجل لحد ما يكسر كرامتك ويخليك ذليل ومكسور. وده عشان ما تفكرش تعمل مشاكل جوة السجن.

وبعد الضرب يخليك تنحني وتفتح مؤخرتك ويبص فيها لو فيها مخدرات، ويحط صباعه أو عصايته في مؤخرة أي متهم.

نزلنا ووقفنا طابور. جه الأمين اللي شبه الكلب البولدوج، وعلامات الغباء والمرض النفسي ظاهرة تمامًا على وشه:

- "إنت مستني إيه يا ابن الـ...؟! إقلع هدومك يا ابن الـ...!".

قلت له فورًا: "أنا سياسي!".

بص لي بحيرة والريالة نازلة من بُقه كأنه مصاب بالعته المنغولي:

- "لأ، الترحيلة كلها جنائيين، ما فيش فيها سياسي!".

الظابط مسك الورق وقال له:

- "لأ، فيها واحد سياسي فعلًا. ارجع انت ورا، أقف في الضل".

وقفت في الضل أتفرج على الأمين وهو بيمارس ساديته على الجنائيين. قلت الحمد لله إني سياسي مش جنائي، وإلا كنت هاكل علقة ماكلهاش إخواني في أمن الدولة.

وبشكل عام جدًا، السياسي بيبقى محترم جوه السجون، حتى لو كان إخواني. وفي الشارع كمان، بيتحول إلى بطل وسط معارفه باعتباره مناضل، زي فؤاد باشا سراج الدين، ومحمد حسنين هيكل، وأحمد بهاء الدين، وحتى البابا شنودة، اللي كانوا جزء من اعتقالات خريف الغضب اللي عملها السادات قبل ما يتقتل. حتى السادات نفسه ذاق مرارة الاعتقال.

لكن فوق الاحترام ده، اللي ممكن ما يكونش عند كل الظباط، هتلاقي السبب الرئيسي إنك تابع للأمن الوطني. يعني أنت ملكية خاصة، كأنك عروسة للجهاز. ومش من حق حد تاني يدخل بيك أو حتى يتحرش بيك. ضربك وإهانتك وكهربتك دي حقوق حصرية للأمن الوطني.

بقول كدا على اللي سمعته. أنا الحقيقة ما تعرضتش لأي إهانة ولا حتى كلمة خارجة في المرتين اللي قابلت فيهم ظباط الجهاز. يعني بكرر إن مشكلتي مش مع الجهاز، على العكس تمامًا. التقرير اللي عمله الظابط المسئول عني وكتبه للنيابة باعتباره شاهد إثبات، رفض تمامًا يقول إني مدان بأي شيء. هو قبض عليا بناءً على معلومات من مصدر سري، وكل الأسئلة اللي وجهها لي وكيل النيابة كان رده: "ما أعرفش"، يعني بيخرجني تمامًا من القضية.

مش بس كدا. ده لما مرت أربع شهور وما زلت محتجز، الأمن الوطني فتش في ملفات النيابة، ولما لقى إني لسه مسجون، راح رافع اسمي من سجلات الأمن الوطني. يعني أنا تابع للنيابة العامة، والأمن الوطني مالوش علاقة بيا ولا بقضيتي. هو بعد ما حقق معايا 45 دقيقة، لقى إني مش مدان في شيء وراح محولني بالأحراز بتاعتي للنيابة.

وصبحت مشكلتي مع وكيل النيابة محمد جمال، والمحامي العام اللي يبقى حماه. يعني دخلت دايرة قضائية عائلية !!

يبدو إني تجاوزت كتير من الخطوط الحمراء في البوست ده. على كل حال، إحنا بنقول حقايق حتى لو ما عندناش أدلة. دليلنا الوحيد هو صدقنا.

نكمّل بقى الحدوتة في البوستات الجاية، لأن كل اللي فات ده كان مجرد مقدمة لحكايتي مع الإخوان، والسلفيين، والدواعش في سجن العشرة ونص..

يُتبع..



إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال