مذكرات معتقل سیاسي - الجزء السادس


مذكرات معتقل سياسي. (6)

صديقي في "الكلبش" المدمن، خرابة، يا دوب سحب شمة البودرة وراح مرمي ولسانه طلع لبرة، واترمى على كتفي بريالته. مش فاهم فين الكيف هنا! على أيامنا كان الحشيش والأفيون والبيرة وكينا البطل الحديدية. دلوقت الصراصير، والباودر، والاستروكس، وأخيرًا الآيس. الصراصير ده نوع شعبي من البرشام، تمن الحباية من خمسة لحد تلاتين جنيه، والباودر ده للناس الأثرياء؛ الجرام بـ1200 جنيه، والسجان اللي بيدخله لك بياخد 800، يعني 2000 جنيه للجرام. كلها مغيبات للوعي مش منبهات للدماغ، يعني هي مجرد هروب من الواقع والدخول في غيبوبة فعلية بدون تواصل مع باقي المتعاطين زي الحشاشين. الأصناف دي منتشرة بشدة دلوقتي بين شبابنا للأسف، ومنتشرة بعنف في حجوزات أقسام الشرطة، وفي السجون بين الجنائيين لدرجة تخليك تفكر إن دي خطة ممنهجة للتدمير.

نام خرابة ودقايق وراح مرجع على كتفي ومكمل نوم. قام بلطجي اسمه توتا يعمل مشكلة ويثبت سيطرته على الزنزانة، وماحدش اتعرض له، رجع مكانه وهو حاسس بالعظمة والسيطرة. واحد تاني قام طلب من السجان يدخله الحمام، السجان رفض، راح بكل بساطة ماسك إزازة مية فاضية وطرطر فيها ورماها فوق كوم الزبالة.!! ويقوم شخص تاني اسمه حوالة ويكسل يجيب إزازة يطرطر فيها، يقوم عاملها على الزبالة، وينزل بوله يسرح علينا في الزنزانة وهو بيضحك بشدة على "خفة دمه"، وماحدش علّق بكلمة، والكل اتعامل عادي جدا كأنه ماحصلش حاجة.!

شوية وجت مجموعة متهمين جايين من مديرية الأمن، أربع شحاتين رجال وخمس بنات دعارة. الشحاتين دخلوا قعدوا جنبي، وبنات الدعارة قعدوا جنب الزنزانة، والعيون بتاكلهم. معايا إزازة مية ببلع بيها المرار، وأدامي كيس فيه بسكوتات بعتها لي أحمد المحامي. وكنت ما أكلتش من ساعة ما قبضوا عليا، ولا ليا نفس. اللي جنبي قال لزميله: "أنا عطشان أوي ومكسوف أطلب مية من الراجل المحترم ده". قال له بصوت أعلى: "خدها منه ولو عايز نديله تمنها". بص لي باستجداء، اضطريت أديهاله، وهو مررها لباقي الشلة وخلصوها. رحت مديله الشنطة اللي فيها البسكوتات، رجع تاني بيكلم زميله: "تفتكر أطلب منه سيجارة ولا عيب؟". هنا كنت وصلت لقمة الأرف، قلت له: "انت تخرس خالص لأني مش طايقك"… وخرس.

بقى أنا أتبهدل في الحجز، واقف على السلم أربع ساعات في عز الحر، وعربية الترحيلات زي علبة السردين والكل بيدخن فيها، وأفضل واقف ساعتين مش قادر أتنفس، وأطلع زنزانة في الخامس يدخلوني مزبلة وأنا متكلبش مع تاجر مخدرات مدمن وميت على كتفي، وكمان شحاتين ونسوان دعارة؟ في موجة من الغضب والقرف فكرت أرمي نفسي من على السطح، لأن اللي بيحصل ده قمة في المهانة، ولو عملته في كلب! ونوعيات البشر دي حاكمين ومحكومين تستحق الحرق بالنابالم. ولحسن حظي ما كنتش عارف إحنا وصلنا لحد فين في الفترة اللي فاتت من تدني وانحطاط على كافة المستويات يخليك تفكر -بسعادة- في قبر يلمك!

نزلت للعرض على النيابة، لقيت سبع محامين في انتظاري، والنيابة مش هتسمح غير بواحد بس. ولقيت قدامي محمد رجب الصحفي، وهو صاحبي وبيحبني جدًا، ومصور محترف. قلت له: "صورني يا محمد صورة للتاريخ"، رفض بشدة، وقال: "مش شومان اللي يتصور بالشكل ده". قلت له: "يا أخي أنا عايز صورة للذكرى". فضل يرفض لحد ما كنت هضربه، وأخيرا وافق يصورني مجموعة صور. فوجئت بعد ما طلعت إنها كانت مثال للبؤس، وشكلي فيها عندي ألف سنة..

دخلت للبيه وكيل النيابة ومعايا محامي واحد هو الأستاذ أحمد الجيزاوي. وأحمد ده حكاية كبيرة؛ المخابرات المصرية سلمته للسعودية، واتسجن هناك سبع سنين. وهو جوة السجن رفع قضية على البدو بخصوص تيران وصنافير، ورفع عليهم قضية في محكمة العدل الدولية لتعويضه عن سجنه، وكسبها، ومستني العلاقات تتوتر معاهم ويحجز على السفارة بتاعتهم في مصر لحد ما يدفعوا التعويض. يعني سجين رأي مناسب تمامًا لحالتي. ولسه هيتكلم البيه وكيل النيابة قال له: "وبناءً عليه… يعني كأنك اترافعت، عايز إيه بقى؟" طلب الإفراج بكفالة وخرجنا.!!

خرجت من عند وكيل النيابة ووقفت مستني القرار، وقدامي بنت من بتوع الدعارة بتعمل استئناف عند كاتب النيابة اسمها ميريهان، وفيها دلع وأنوثة الكون. مسكوها هي وصاحبها المسيحي ومعاهم 199 تذكرة استروكس، في الشقة اللي عايشين فيها مع بعض. الكاتب بيسألها: "عايشين مع بعض في شقة واحدة؟ هو انتي بتحبيه؟" ردت بقرف: "أحبه إزاي ده مسيحي!" 

وأنا مصدقها فعلا، حتى لو بنت بتشتغل في المخدرات أو الدعارة، بتختار ابن دينها يبقى أولى بلحمها. وافتكر مرة كنت مأجر شقة قانون جديد لواحد ومراته، وطلع بلطجي وهي رقاصة. رحت أطردهم من الشقة بعد شوية مشاكل، كسرنا الباب ودخلنا، دورنا في الشقة ما لقيناش غير الرقاصة بس. وكان معايا بلطجي قديم وفاهم. دور تحت السرير وفوق الدولاب وفي كل حتة، وفي الآخر فتح الشباك لقى شاب عريان واقف على التكييف من برة في الدور الخامس. نزله وجابه وضربه، وبيدور في هدومه ياخد منها الموبايل والفلوس والبطاقة. طلع اسمه بيشوى. الرقاصة اللي بتشتغل في الدعارة ضربت على صدرها بغضب: "بقى نصراني يا ابن الكلب وبتضحك عليا؟!" وبتوجه كلامها لي: "والمصحف يا باشا ما كنت أعرف إنه نصراني!".

دقايق وصدر القرار تجديد حبسي 15 يوم على ذمة قضية مش عارف هي إيه. طب وأنا هستحمل أعيش كمان أسبوعين في المستنقع ده؟ 

عرفت القرار وميريهان خلصت الاستئناف، راح الأمين مكلبشنا مع بعض وهو بيقول لها: "هكلبشك مع راجل كبارة أهو زي أبوكي". راحت ضرباني في إيدي بمياصة وهي بترد عليه: "أبويا؟ بقى المزدة يبقى أبويا؟ طب ورحمة أبويا ما كنت سيبته!" إيدها كان فيها كهربا أكتر من اللي بيولدها السد العالي في سنة. رحت ساحبها وطالع بيها جري على السلالم اللي كنت من شوية بنهج عند كل سلمة، دلوقتي طلعت الخمس أدوار في خمس ثواني، وخليت العسكري يفك الكلبش قبل ما الكهربا توصل للقلب وتقتله.!!



إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال