مذكرات معتقل سياسي. (7)
رجعت للحجز في قسم الهرم بعد ما أخدت تجديد حبس 15 يوم على ذمة قضية أنا مش عارف هي إيه، لأن وكيل النيابة "محمد جمال" بيحتفظ بالملف بتاعي أنا بس في درج مكتبه. بعد ما قابلني مقابلة أسطورية يوم العيد، وكان بيمدحني بكلمات أتكسف أعيدها تاني ويتمنى لو كل رجالة مصر زيي، فجأة أنكر كلامه، وقال إني كافر وعدو للدولة وللدين، وأنكر إنه شكر فيَّ. قلت جايز عشان خربت بيته يوم العيد في الأكل والشرب والسجاير.
دخلت الحجز المعفن اللي بيلم حثالة المجرمين المصريين، لأن قسم الهرم معروف إنه مخدرات ودعارة، ما تلاقيش فيه قاتل مثلاً أو مناضل ثوري، دول حثالة الأقسام. يادوب دخلت، وما كنتش كلت من أيام نسيت عددها، ووزني نزل أكتر من 15 كيلو في أيام معدودة. السجان فتح الباب وهو بيزعق: "فين محمد شومان ده؟"، "خير يا كابتن؟" قال لي: "واحد لواء شرطة تحت قالب القسم عليك، تعالى هو عايزك". نزلت معاه، لقيت اللواء محمود شنب قريبي وصاحبي وجاري. "أهلا يا محمود، أخيراً جيت؟" قال لي: "أول ما عرفت جيت فوراً، وما تقلقش، هخلص لك المشكلة وأخرجك في أقرب وقت، بس خلى بالك ما حدش يقدر يلعب مع أمن الدولة، دول لا بتوع واسطة ولا رشوة، بس هادلك ع اللي يخلص، وهاوصي المأمور يريحك وانت هنا."
رجعت الزنزانة، لقيت الكل خايف مني. قعدت، لقيت واحد واقف تحت رجليا بيهويلي بكرتونة عشان حران، والكل بينافق فيَّ. ثواني والباب فتح: "ده عضو مجلس الشعب بتاعكم تحت، هو انت مين بالضبط يا محمد بيه؟" نزلت قابلت عضو مجلس الشعب عن دايرتنا، وقلت له: "كل اللي عايز أعرفه هو إيه التهمة فعلاً، ومين اللي وراها، وصحيح هي جاية من ضهري ومن حد من عندي؟" واحنا قاعدين، دخلت إيمان أختي القريبة مني، دكتورة في السياسة الإفريقية، ومعاها خالد أخويا اللي ما شفتوش من 22 سنة، وده بقى اللي قلب القسم فعلاً، معاه مجموعة وسايط ع التليفون مرعبة للجميع، وابتديت أحس إن الأمور هاتتصلح فعلاً..
رجعت تاني ع الزنزانة، وورايا طلع أكثر من ضابط، كل شوية يتفتح الباب وواحد منهم يدخل يوصي المساجين عليَّ: "إوعى حد يزعل الراجل ده، دول أساتذتنا اللي لحم اكتافنا من خيرهم موصيين عليه، حد مضايقك منهم؟" قلت له: "أه، أحمد النصاب واخد مني 8 آلاف جنيه، وبيماطل في سدادهم". جاب العساكر فتشوا أحمد، لقوا معاه رزم فلوس، راحوا واخدينه بشنطة هدومه وخرج معاهم الصبح. عرفت إنه اترحل على السجن. يا جدعان، انتوا فهمتوني غلط، أنا عايز فلوسي مش عايز أرحله! وضاعت فلوسك يا صابر. تقريبا الألفين جنيه اللي بعتهم المستشار فؤاد سوما كانوا طالعين من جيبه بالسم الهاري، وضيعوا معاهم فلوسي الحلال. وضاعت فلوسك يا فؤاد، وياريت تبعت لي باقي فلوسي الحلال اللي ضاعت بسببك.
قعدت على فرشتي أو البرش بتاعي، والكل بينافقني وخايف مني. بس حصلت خناقة تانية بين البلطجي عاشور وبين أبو منة اللي رجالته كتير. المرة دي مش هاسكت بقى، رحت مخبط ع الباب: "هاتوا الظابط النوباتشي". "فيه إيه؟" قلت له: "الستة دول بيتخانقوا على الزعامة واتنين منهم تجار مخدرات". قال لهم: "تعالوا لي"، وطلعوا واختفى ذكرهم من سجل حجز عشرة.
نوضح إن "الوشاية" جوة السجن دي فيها موت، بس الكلام ده في السجون اللي فيها رجالة بجد، مستحيل تلاقي واحد من المساجين بيبلغ عن تاجر مخدرات جوة السجن. وفي الخناقة الكل ما شافش حاجة، ولو حصل إنك بلغت في السر والمساجين عرفوا هايشرحوك، أو ع الأقل يقاطعوك تماماً. بالنسبة لي الوضع مختلف، سواء في حجز الهرم أو سجن العشرة ونص. شايف كل الموجودين شوية صراصير مش رجالة، ما هو يا إما مدمن أو قواد أو إرهابي، وقوانينهم لا تنطبق عليا، أنا مش منهم ولا ناوي، وأي وضع ها يسبب لي أدنى توتر أو إزعاج ببلغ عنه فوراً وأدام الجميع مش في السر. تقريبا هما مش متعودين على النوعية دي، وبدلاً من تشريحي أو مقاطعتي، بدأوا جميعاً في بوس إيديا.
بس أي حجز لازم له بلطجي عشان يتعامل باسمه مع القسم. ابتدى كل عيل فيهم يقلع هدومه ويعمل مشاكل مع التانيين عشان يثبت سيطرته. منهم عيل اسمه بلاطة، ده ركبه فيها صديد ودم، وبيثبت سيطرته إنه بيقعد على أي فرشة ويغرقها دم وصديد، وما حدش يقدر يقول له لأ. صحيح ما بيحاولش يقعد عندي، بس شكله مستفز ومقرف بالنسبة لي. استغليت فرصة إنه بيعدي من أدامي وقلت له: "الفرشة دي خط أحمر، لو فكرت تعديها هاولع فيك، فاهم يا كلب؟" رد بسرعة وخوف: "فاهم يا باشا"، ورجع يتخانق مع واحد جوة ويفش فيه غله.
شوية والباب فتح، ودخل واحد شكله مجرم فعلاً، واتقفل الباب وراه. بلاطة بيقول له: "إزيك يا إيهاب"، قال له: "خش ع الحمام يا كـ..مك، أنا هنا كبير الحجز الجديد، حد له شوق في حاجة؟" الكل خرس وما نطقش. راح قالع هدومه بلبوص تماماً ودخل ع الحمام. وهو ماشي لقيت طالع من مؤخرته فتلة معقودة، سألت قالوا لي إن الجنائيين بيلبسوا المخدرات والتليفونات في مؤخرتهم. ودخل إيهاب الفتوة البلبوص الحمام وهو بيلطش ويشتم كل اللي يقابله. وابتديت أحس إن الهدوء هايرجع للحجز ومش هنلاقي خناقات ودم على الزعامة تاني.
طب نبتدي بقى نتعرف ع الناس ونكتب مذكراتنا عشان ننشرها لما نطلع، لأن العالم ده غريب جداً، ولازم حد من جوة يحكي عنه بالتفصيل.